بداية الرواية التي سأنهيها قريباً إن شاء الله...
كانت إحدى ليالي بواكير الستينات المقمرة حيث اكتمل القمر بدراً يوزع ابتسامته على أنحاء المعمورة بخيوط أضوائه الفضية الرقيقة... ينساب ضوءه بعفوية بريئة ليعانق سهول تلك القرية الحالمة ويزين شوارعها وحواريها، بل وأطفالها المشاكسين بهالاته الضوئية الصافية وهم ما زالوا ببراءتهم القدرية يتراكضون جيئة وذهابا لا يلوون على شيء.
كانت الحياة تنساب بسيطة سهلة... يوحي لك منظر الصبية وقد اختلطوا عراة الأجساد وانتشروا في جميع أزقة القرية وساحاتها وهم يتقافزون كالعادة وقد خلى تفكيرهم إلا من بقايا عناد وضجيج، وكل همهم أن يظل البدر هكذا دون أن يحتجب في دورته المظلمة... يوحي لك كل هذا بنوع من الارتياح تحسه في كل جنبات القرية... تحسه وأنت تزدحم بضجيج متداخل من الأصوات المتباينة والتي تحسبها تنبعث من اللامكان،،، تسمع نباح الكلاب ونهيق الحمير... وبين الفينة والأخرى تلحظ أن هنالك صوت مخنوق لخروف قام صاحبه بربطه داخل إحدى الحظائر... ومن الغرائب المألوفة أن تسمع صياح الديوك... لعلها وهي في تلك اللحظات المقمرة تحسب أن الصبح قد أطل.
كل تلك الأصوات المختلفة المصادر تجدها تتداخل مع ضجيج الأطفال فتخالها نوعا من السيمفونيات الفريدة... نوع من الموسيقى العجيبة يدفع في أعماق الإنسان كمية من الأحاسيس المتباينة، محصلتها مزيج غريب من الخوف والسكون في آن واحد... حيث يكون أهل القرية في قمة الاطمئنان وهم يعيشون بصورة طبيعية وسط تلك المتناقضات، والتي تعبر بطريقتها عن تلك القرية الوديعة... تعبر عن كلكول وهي ممدودة بشموخها الأبدي في حضن النيل الخالد تراقب النيل الأزرق وهو يمر من أمامها يحسدها على دلالها القدري....
بدأ اليل ينسحب إلى الوراء... بدأت الضجة تتلاشى شيئا فشيئا، ومع خيوط السكون التي بدأت تتشابك إذا بالنسيم يحمل إحدى الصرخات القاسية... أدرك أهل القرية بعد القليل من الوقت أنها تأتي من منزل حاج أحمد... وقد انجلى الأمر بأن زوجته البتول تعاني آلام المخاض وقد تجمهرت النساء حولها كالعادة كشعور غريزي بالمشاركة والمؤازرة.
كانت الحاجة نفيسة (داية القرية) المشهورة قد سبقت كل تلك الحشود وذلك حتى تؤدي دورها الهام والذي تفخر به كل النساء.
من الجانب الآخر فقد ظل الحاج أحمد خارج الدار ينتظر ما في طيات القدر... يرجو الله سراً، وأحياناً جهراً أن يرزقه أبناً ذكراً حيث أمنية كل الرجال في ذلك الحين، كما وأن له حتى الآن ثلاثة من الإناث هن سمية وفاطمة والزهراء.
ظل الزمن يسير ببطء والقمر في حركته ناحية الغرب. صمتت القرية تماماً... لم يعد هنالك ضجيج إلا صرخات الحاجة بتول وتضرعاتها، والتي تنطلق بين الفينة والأخرى من أعماق ذلك الدار العتيق فتمزق ذلك الصمت القاسي.
لما كانت كلكول تتاخم النيل الأزرق من الغرب، كان من البدهي أن يمارس أهلها الزراعة خصوصاً وقد حباهم الله كشأن أجزاء السودان الأخرى بأراضي زراعية شاسعة... أضف لذلك ممارستهم لتربية الحيوانات والتي تتشكل أغلبيتها من الماعز والأبقار...
كالعادة يصحو الرجال باكراً ويغدون لمزارعهم ويكون دور النساء في صنع الطعام لهم مع مساعدتهم في بعض الأحيان الكثيرة. والكسرة تشكل الغذاء الرئيسي لأهل القرية حيث يتم تناولها بمساعدة الماء؛ وفي أحسن الظروف يقومون بعمل (أمشعيفة) وهي نوع من الويكة تضاف إليها كمية من الماء والبصل وتوضع في النار حتى تنضج... وكثيراً ما يعتمد الناس على مشتقات حيواناتهم من اللبن والسمن، مما يساعدهم على معاركة الدهر والمرض.
أما الأطفال فنجدهم يقومون بمساعدة ذويهم في الزراعة، وقد يجد المحظوظ منهم فرصته في دخول الخلوة حيث يتعلم بعض الأبجديات وقراءة التنزيل... وأخيراً هناك قسماً يسيراً قد يكون أوفر حظاً فيجد فرصته وينخرط في سلم التعليم إلى الأمام،،، رغم ظلم الأيام والظروف.
حاجة التومة... تلك العجوز التي تناهز الثمانين من العمر، تجدها قد جلست في مصلايتها بعد أداء فريضة المغرب وقد التف حولها أحفادها الصغار... جلست تحكي لهم كالمعتاد بعض الأحاجي الخرافية... كان الصغار يبدون اهتماماً وانتباهاً عجيباً وهي تروي لهم قصة فاطمة السمحة وأخوها أمحمد... ينطلق صوتها الرصين مسموعاً بوضوح رغم كل تلك الأيام التي تحملها بين طيات حياتها المديدة... كان الصغار يسكنون لدرجة الموت وحاجة التومة تبدأ بروايتها العتيقة....
كان يا ما كان في الزمن الزمان زول اسمو أمحمد وساكنة معاهو أختو فاطمة السمحة.... تستمر الحاجة التومة في سرد الحكاية، والتي تمجد فيها أمحمد وتروي تفاصيل شجاعته التي أنقذ بها أخته فاطمة من طمع الخاطفين الذين أرادوا بها سوءاً.
...............نواصل.....................
إلى لقاء،
كل الود،
المانجلك،
الأحد 28 يونيو 2020, 8:26 am من طرف amirageeb
» تجربتي مع برنامج الواتس اب تعالو شوفو اللي حصل
السبت 08 أبريل 2017, 8:11 pm من طرف zezeey saad
» برنامج مشاهدة الكره الارضيه بكل وضوح EarthView 4.5
الثلاثاء 01 نوفمبر 2016, 2:57 pm من طرف كمال الزيتوني
» عيد سعيد وكل عام والناس بخير
الأربعاء 06 يوليو 2016, 12:54 am من طرف blueshade
» مبادرة شباب كلكول
الجمعة 29 أبريل 2016, 1:14 pm من طرف amirageeb
» وعندك واحد جقاجق
الخميس 03 مارس 2016, 9:15 pm من طرف al-pegaa
» أحلي صباح
الثلاثاء 20 أكتوبر 2015, 9:18 am من طرف احلام
» عيد سعيد وكل عام وأنتم بخير
الجمعة 17 يوليو 2015, 10:45 am من طرف amirageeb
» واجب وعزاء
السبت 18 أبريل 2015, 4:42 pm من طرف amirageeb
» إعادة توجيه "اللوحات العظيمة من أحد أعضاء منتدياتنا"
الأربعاء 03 سبتمبر 2014, 10:37 am من طرف زاهر النهيا